يرى كثير من الفلسطينيين، وفقًا لما كتبته الصحفية سهام طنطش، أن الخط الأصفر الذي يفترض أن يكون مؤقتًا لوقف إطلاق النار في غزة يتحوّل تدريجيًا إلى واقع جغرافي وسياسي جديد، في وقت تتعثر فيه الهدنة الهشّة وتتصاعد المخاوف من ترسيم حدود دائمة تفصل القطاع إلى نصفين.
ذكرت صحيفة الجارديان أن الجيش الإسرائيلي بدأ يزرع كتلًا خرسانية صفراء كل مئتي متر لتحديد المنطقة التي يواصل السيطرة عليها في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار. هذا الخط يقسم غزة تقريبًا إلى نصفين؛ في الغرب تحاول حركة حماس إعادة بسط نفوذها وسط فراغ أمني تركه الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية، بينما تواصل القوات الإسرائيلية في الشرق والشمال والجنوب تعزيز مواقعها العسكرية وإطلاق النار على أي شخص يقترب من الخط، سواء وُضع بعلامات واضحة أم لا.
يقول محمد خالد أبو الحسين، وهو أب لخمسة أطفال من منطقة القرارة شمال خان يونس، إن بيته يقع شرق الخط في المنطقة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية. يصف حاله قائلاً: “ما إن نقترب من منازلنا حتى تتطاير الرصاصات من كل اتجاه، والطائرات المسيّرة تراقبنا من الأعلى. بالأمس خرجت مع صديقي فأُطلق علينا النار بكثافة واضطررنا للانبطاح على الأرض. لم أستطع الوصول إلى بيتي. يبدو أن الحرب لم تنتهِ بعد بالنسبة لي، فما فائدة الهدنة إذا كنت لا أستطيع العودة إلى منزلي؟”.
يضيف أبو الحسين أنه يشعر باليأس كلما رأى آخرين يعودون إلى بيوتهم بينما هو عالق “بين الأمل والخوف”. أكثر ما يخشاه أن “يبقى هذا الخط إلى الأبد”.
من جهته، شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن إسرائيل ستحتفظ “بالسيطرة الأمنية الكاملة” في غزة، قائلاً إن بلاده ستقرر “متى وأين تضرب أعداءها، ومن يُسمح له بالمشاركة في مراقبة الهدنة”. وأكد وزير الدفاع إسرائيل كاتس سياسة “إطلاق النار الحر” على امتداد الخط، بعد مقتل جنديين إسرائيليين في رفح في 19 أكتوبر.
ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية إلى “الخط الأصفر” بما يتركها تسيطر على نحو 53% من مساحة غزة، أظهر تحليل بالأقمار الصناعية أجرته هيئة الإذاعة البريطانية أن العلامات الصفراء وُضعت مئات الأمتار شرق هذا الخط، ما يعني توغلاً جديدًا في أراضي القطاع.
رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على التقرير، مكتفيًا بالقول إن “العمل جارٍ لتحديد الخط الأصفر بحواجز خرسانية تحمل أعمدة صفراء بارتفاع 3.5 أمتار لتوفير وضوح تكتيكي على الأرض”. لكن “الوضوح” الذي تتحدث عنه المؤسسة العسكرية لا يعني سوى تقسيم أكثر حدة لغزة، حيث يُحشر نحو 2.1 مليون فلسطيني في نصف المساحة تقريبًا وسط أنقاض عامين من القصف المتواصل.
يصف أيمن أبو منديل، البالغ من العمر 58 عامًا وله تسعة أبناء، المشهد في قريته شرق القرارة: “الجيش نصب رافعات وأبراج مراقبة ودبابات، يراقب كل حركة ويطلق النار على أي أحد يقترب. لم أرَ العلامات الصفراء بنفسي لأن من يحاول الاقتراب يُستهدف فورًا. يبدو أن مجرد محاولة العودة إلى أرضنا أصبحت جريمة”.
يرى المراقبون أن جذور الأزمة تكمن في غموض اتفاق الهدنة المستند إلى “خطة السلام” التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي لم تحدد تسلسلًا واضحًا للأهداف ولا آلية لتنفيذها. يقول روهان تالبوت، مدير المناصرة في منظمة “الإغاثة الطبية للفلسطينيين”، إن “الغموض الحالي يفتح الباب أمام كل طرف – من إسرائيل إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي – لتفسير الهدنة كما يشاء”. ويضيف أن “التجربة الطويلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تُظهر أن كل ما يُقال إنه مؤقت يتحوّل سريعًا إلى دائم”.
في ظل هذا الواقع، تبقى نصف غزة تقريبًا خارج متناول سكانها، الذين لا يستطيعون العودة أو حتى التفكير في إعادة الإعمار. ومع كل محاولة اقتراب، تتجدد مشاهد القصف والدمار كما لو أن الحرب لم تتوقف أصلًا.
يقول صلاح أبو صلاح، من عبسان الكبيرة شرق خان يونس، وهو الآن على “الجانب الخطأ” من الخط: “كلما حاولنا الاقتراب من بيوتنا نواجه قصفًا جديدًا وتقدّمًا جديدًا للدبابات. أشعر أن الجيش ينوي تثبيت حدود جديدة لن نُسمح بتجاوزها مرة أخرى.”
تتزايد المخاوف إذن من أن الخط الأصفر، الذي بدأ كإجراء مؤقت لوقف إطلاق النار، يتحول شيئًا فشيئًا إلى حدود سياسية جديدة تعيد رسم خريطة غزة، وتكرّس واقعًا من الانقسام والاحتلال المستمر.
https://www.theguardian.com/world/2025/oct/26/fears-gaza-temporary-ceasefire-line-could-become-permanent-new-border

